responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 142
وَقَصَرَ خَشْيَتَهُمْ عَلَى التَّعَلُّقِ بِجَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى بِصِيغَةِ الْقَصْرِ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُمْ لَا يَخَافُونَ شَيْئًا غَيْرَ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ قَدْ يَخَافُونَ الْأَسَدَ وَيَخَافُونَ الْعَدُوَّ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ إِذَا تَرَدَّدَ الْحَالُ بَيْنَ خَشْيَتِهِمُ اللَّهَ وَخَشْيَتِهِمْ غَيْرَهُ قَدَّمُوا خَشْيَةَ اللَّهِ عَلَى خَشْيَةِ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ آنِفًا أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ [التَّوْبَة: 13] ، فَالْقَصْرُ إِضَافِيٌّ بِاعْتِبَارِ تَعَارُضِ خَشْيَتَيْنِ.
وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِ الْمُؤْمِنِينَ: فَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَهُمْ يَخْشَوْنَ شُرَكَاءَهُمْ وَيَنْتَهِكُونَ حُرُمَاتِ اللَّهِ لِإِرْضَاءِ شُرَكَائِهِمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَيَخْشَوْنَ النَّاسَ وَيَعْصُونَ اللَّهَ بِتَحْرِيفِ كَلِمِهِ وَمُجَارَاةِ أَهْوَاءِ الْعَامَّةِ، وَقَدْ ذَكَّرَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ [الْمَائِدَة:
44] .
وَفَرَّعَ عَلَى وَصْفِ الْمُسْلِمِينَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ رَجَاءَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ، أَيْ مِنَ الْفَرِيقِ الْمَوْصُوفِ بِالْمُهْتَدِينَ وَهُوَ الْفَرِيقُ الَّذِي الِاهْتِدَاءُ خُلُقٌ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَعْمَالِ وَفِي غَيْرِهَا. وَوَجْهُ هَذَا الرَّجَاءِ أَنَّهُمْ لَمَّا أَتَوْا بِمَا هُوَ اهْتِدَاءٌ لَا مَحَالَةَ قَوِيَ الْأَمَلُ فِي أَنْ يَسْتَقِرُّوا عَلَى ذَلِكَ وَيَصِيرُ خُلُقًا لَهُمْ فَيَكُونُوا مِنْ أَهْلِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ وَلَمْ
يَقُلْ أَنْ يَكُونُوا مُهْتَدِينَ.
وَفِي هَذَا حَثُّ عَلَى الِاسْتِزَادَةِ مِنْ هَذَا الِاهْتِدَاءِ وَتَحْذِيرٌ مِنَ الْغُرُورِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى بَعْضِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ بِاعْتِقَادِ أَنَّ بَعْضَ الْأَعْمَالِ يُغْنِي عَنْ بَقِيَّتِهَا.
وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُمْ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا هَذَا الْأَمَلَ فِيهِمْ بِسَبَبِ تِلْكَ الْأَعْمَالِ الَّتِي عدّت لَهُم.
[19]

[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 19]
أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)
ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا خِطَابٌ لِقَوْمٍ سَوَّوْا بَيْنَ سِقَايَةِ الْحَاجِّ وَعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَبَيْنَ الْجِهَادِ وَالْهِجْرَةِ، فِي أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الْبِرِّ، فَتُؤْذِنُ بِأَنَّهَا خِطَابٌ لِقَوْمٍ مُؤْمِنِينَ قَعَدُوا عَنِ الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، بِعِلَّةِ اجْتِزَائِهِمْ بِالسِّقَايَةِ وَالْعِمَارَةِ. وَمُنَاسَبَتُهَا

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 142
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست